سورة الرحمن - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرحمن)


        


{وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (46) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (47)}
قوله تعالى: {وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ} فيه مسألتان: الأولى: لما ذكر أحوال أهل النار ذكر ما أعد للأبرار. والمعنى خاف مقامه بين يدي ربه للحساب فترك المعصية. ف {مَقامَ} مصدر بمعنى القيام.
وقيل: خاف قيام ربه عليه أي إشرافه واطلاعه عليه، بيانه قوله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ}.
وقال مجاهد وإبراهيم النخعي: هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر الله فيدعها من خوفه.
الثانية: هذه الآية دليل على أن من قال لزوجه: إن لم أكن من أهل الجنة فأنت طالق أنه لا يحنث إن كان هم بالمعصية وتركها خوفا من الله وحياء منه.
وقال به سفيان الثوري وأفتى به.
وقال محمد بن علي الترمذي: جنة لخوفه من ربه، وجنة لتركه شهوته.
وقال ابن عباس: من خاف مقام ربه بعد أداء الفرائض.
وقيل: المقام الموضع، أي خاف مقامه بين يدي ربه للحساب كما تقدم. ويجوز أن يكون المقام للعبد ثم يضاف إلى الله، وهو كالاجل في قوله: {فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ} وقوله في موضع آخر:
{إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ}. {جَنَّتانِ} أي لمن خاف جنتان على حدة، فلكل خائف جنتان.
وقيل: جنتان لجميع الخائفين، والأول أظهر. وروي عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «الجنتان بستانان في عرض الجنة كل بستان مسيرة مائة عام في وسط كل بستان دار من نور وليس منها شيء إلا يهتز نغمة وخضرة، قرارها ثابت وشجرها ثابت» ذكره المهدوي والثعلبي أيضا من حديث أبي هريرة.
وقيل: إن الجنتين جنته التي خلقت له وجنة ورثها.
وقيل: إحدى الجنتين منزله والأخرى منزل أزواجه كما يفعله رؤساء الدنيا.
وقيل: إن إحدى الجنتين مسكنه والأخرى بستانه.
وقيل: إن إحدى الجنتين أسافل القصور والأخرى أعاليها.
وقال مقاتل: هما جنة عدن وجنة النعيم.
وقال الفراء: إنما هي جنة واحدة، فثنى لرءوس الآي. وأنكر القتبي هذا وقال: لا يجوز أن يقال خزنة النار عشرون إنما قال تسعة عشر لمراعاة رءوس الآي. وأيضا قال: {ذَواتا أَفْنانٍ}.
وقال أبو جعفر النحاس: قال الفراء قد تكون جنة فتثنى في الشعر، وهذا القول من أعظم الغلط على كتاب الله عز وجل، يقول الله عز وجل: {جَنَّتانِ} ويصفهما بقوله: {فِيهِما} فيدع الظاهر ويقول: يجوز أن تكون جنة ويحتج بالشعر! وقيل: إنما كانتا اثنتين ليضاعف له السرور بالتنقل من جهة إلى جهة.
وقيل: نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه خاصة حين ذكر ذات يوم الجنة حين أزلفت والنار حين برزت، قاله عطاء وابن شوذب.
وقال الضحاك: بل شرب ذات يوم لبنا على ظمإ فأعجبه، فسأل عنه فأخبر أنه من غير حل فاستقاءه ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينظر إليه، فقال: «رحمك الله لقد أنزلت فيك آية» وتلا عليه هذه الآية.


{ذَواتا أَفْنانٍ (48) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (49) فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (50) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (51)}
قوله تعالى: {ذَواتا أَفْنانٍ} قال ابن عباس وغيره: أي ذواتا ألوان من الفاكهة الواحد فن.
وقال مجاهد: الأفنان الأغصان واحدها فنن، قال النابغة:
بكاء حمامة تدعو هديلا *** مفجعة على فنن تغني
وقال آخر يصف طائرين:
باتا على غصن بان في ذرى فنن *** يرددان لحونا ذات ألوان
أراد باللحون اللغات.
وقال آخر:
ما هاج شوقك من هديل حمامة *** تدعو على فنن الغصون حماما
تدعو أبا فرخين صادف ضاريا *** ذا مخلبين من الصقور قطاما
والفنن جمعه أفنان ثم الأفانين، وقال يصف رحى:
لها زمام من أفانين الشجر ***
وشجرة فناء أي ذات أفنان وفنواء أيضا على غير قياس.
وفي الحديث: «أن أهل الجنة مرد مكحلون أولو أفانين» يريد أولو فنن وهو جمع أفنان، وأفنان جمع فنن وهو الخصلة من الشعر شبه بالغصن. ذكره الهروي.
وقيل: {ذَواتا أَفْنانٍ} أي ذواتا سعة وفضل على ما سواهما، قاله قتادة. وعن مجاهد أيضا وعكرمة: إن الأفنان ظل الأغصان على الحيطان. قوله تعالى: {فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ} أي في كل واحدة منهما عين جارية. قال ابن عباس: تجريان ماء بالزيادة والكرامة من الله تعالى على أهل الجنة. وعن ابن عباس أيضا والحسن: تجريان بالماء الزلال، إحدى العينين التسنيم والأخرى السلسبيل. وعنه أيضا:
عينان مثل الدنيا أضعافا مضاعفة، حصباؤهما الياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر، وترابهما الكافور، وحمأتهما المسك الأذفر، وحافتاهما الزعفران.
وقال عطية: إحداهما من ماء غير آسن، والأخرى من خمر لذة للشاربين.
وقيل: تجريان من جبل من مسك.
وقال أبو بكر الوراق: فيهما عينان تجريان لمن كانت عيناه في الدنيا تجريان من مخافة الله عز وجل.


{فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (52) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (54) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (55)}
قوله تعالى: {فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ} أي صنفان وكلاهما حلو يستلذ به. قال ابن عباس: ما في الدنيا شجرة حلوة ولا مرة إلا وهي في الجنة حتى الحنظل إلا أنه حلو.
وقيل: ضربان رطب ويابس لا يقصر هذا عن ذلك في الفضل والطيب.
وقيل: أراد تفضيل هاتين الجنتين على الجنتين اللتين دونهما، فإنه ذكر هاهنا عينين جاريتين، وذكر ثم عينين تنضخان بالماء والنضخ دون الجري، فكأنه قال: في تينك الجنتين من كل فاكهة نوع، وفي هذه الجنة من كل فاكهة نوعان. قوله تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ} هو نصب على الحال. والفرش جمع فراش. وقرأ أبو حيوة {فرش} بإسكان الراء. {بَطائِنُها} جمع بطانة وهي التي تحت الظهارة. والإستبرق ما غلظ من الديباج وخشن، أي إذا كانت البطانة التي تلي الأرض هكذا فما ظنك بالظهارة، قاله ابن مسعود وأبو هريرة. وقيل لسعيد بن جبير: البطائن من إستبرق فما الظواهر؟ قال: هذا مما قال الله: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}.
وقال ابن عباس: إنما وصف لكم بطائنها لتهتدي إليه قلوبكم، فأما الظواهر فلا يعلمها إلا الله.
وفي الخبر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «ظواهرها نور يتلألأ». وعن الحسن: بطائنها من إستبرق، وظواهرها من نور جامد. وعن الحسن أيضا: البطائن هي الظواهر، وهو قول الفراء، وروي عن قتادة. والعرب تقول للظهر بطنا، فيقولون: هذا ظهر السماء، وهذا بطن السماء، لظاهرها الذي نراه. وأنكر ابن قتيبة وغيره هذا، وقالوا: لا يكون هذا إلا في الوجهين المتساويين إذا ولي كل واحد منهما قوما، كالحائط بينك وبين قوم، وعلى ذلك أمر السماء. {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ} الجنى ما يجتنى من الشجر، يقال: أتانا بجناة طيبة لكل ما يجتنى. وثمر جني على فعيل حين جني، وقال:
هذا جناي وخياره فيه *** إذ كل جان يده إلى فيه
وقرئ: {جنى} بكسر الجيم. {دانٍ} قريب. قال ابن عباس: تدنو الشجرة حتى يجتنيها ولي الله إن شاء قائما وإن شاء قاعدا وإن شاء مضطجعا، لا يرد يده بعد ولا شوك.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7